ودَّعت مدينة طفس (12 كم شمالي درعا) اثنين من شبابها، نتيجة جريمة بشعة تعرَّضا لها أواخر الأسبوع الماضي. غسان وأيهم الرواشدة شقيقان يعملان في الزراعة، كل ما قاما به هو الدفاع عن رزقهما الذي تعبا من أجله كثيراً، فبذرا الأرض وانتظرا كرم الله.. قبل أن يشاهدا الزرع هباءً منثوراً!.. فاهتزت مشاعر الأهالي لنهاية اثنين من شبابها بهذه الطريقة الوحشية، مطالبين بمحاسبة الفاعلين وإيجاد صيغة قانون واضح، ينظّم علاقة البعض والهجرة الزراعية التي جاءت إلى درعا ولاسيما طفس من كلّ المحافظات، بما يضمن حماية الزرع والثمار والممتلكات من العبث والتخريب.
إفادات
يقول محمد الرواشدة (شقيق المتوفيين الأكبر): «دخل عدد من الرجال إلى حقل الخس الذي قمنا بزراعته منذ بداية الموسم، وقاموا بتخريبه بالكامل، فقمنا بطردهم من البستان، فذهبوا وجمعوا بعضهم بعضاً وقاموا بضرب شقيقيّ بأدوات حادة (بلطة- عصا- شنتيانة- حجر) في أنحاء مختلفة من الجسم».
وبيَّن الرواشدة: «لن يكون ما جاء في التقرير الأولي (أنَّ الذي حصل ناتج عن حادث سير) صحيحاً وإن قال التقرير الأولي حادث سير -وعجبي من ذلك- إذ من غير الممكن أن يسلك الإنسان طريقاً (حاداً إلى الأعلى) بأكثر من سرعة 40- 50. فهذه السرعة غير كافية لمثل هكذا نتائج.. ثم إنَّ (دبّو) البنزين الخاص بالدراجة النارية التي كان أخواي يستقلانها غير كافٍ لمثل هكذا انفجار، وغير كاف بالطبع ليحرق عجلة كاوتشوك، ولا ليصهر ماكينة (محرك) صهراً كاملا، ولا ليشعل مقدمة السيارة التي كانت موجودةً في المكان.. ثم إنني لا أعلم إن كانت السيارات والمركبات صارت تتزود بسكاكين، وبلطات وحجارة جانبية تؤذي الركاب!، كما أنَّ أحد الشهود أفاد -وهو حضر إلى مكان الحادثة على الفور- بأنَّ الحرق قد طال شقيقاي، وكان أحدهما على الأرض، والثاني في السيارة. والسؤال هنا: إن كان أخي الموجود على الأرض قد احترق بالفعل من البنزين، فما دوافع ومبررات حرق الآخر الموجود في السيارة؟!»..
الأخ الثاني وسيم قال: «لقد هجم هؤلاء على البستان، وقاموا بتخريبه.. فذهب غسان على الفور إلى المكان وقام بطردهم. ولكن سرعان ما تجمّعوا بشكل كبير، وقاموا بضرب أيهم بدايةً، بعد أن استفردوا به، ومنهم سبعة إخوة: محمد- هايل- خالد- محمود- أحمد- سليمان- نايف فهد العايد. قمت بالحضور على دراجة نارية، فشاهدتهم يهربون بالسيارة بعد أن أحرقوا غسان الذي قطعت رجله، وكسرت أصابعه، وضرب على المناطق الحساسة في جسمه. وأخي الآخر أيهم مضروب بموسى على رأسه، وآخر على فخذه، وآخر على مناطق حساسة أيضاً، ومضروب على رأسه من الأمام والخلف، وكُسر حوضه وكان متفحماً بشكل كامل. قمت بحملهما وإسعافهما إلى مستشفى طفس أولاً، فتوفي غسان بعد ساعتين، ودخل أيهم في غيبوبة لعدة أيام قبل أن يموت في هذا اليوم (الثلاثاء العاشر من الشهر الجاري).
ولاذ المجرمون بالفرار بعد أن حضّروا للأمر، وقاموا بترحيل مواشيهم وآلياتهم قبل أيام من الجريمة إلى جهات غير معروفة».
وعن طبيعة الحروق والإصابات، يتابع السيد وسيم: «كانت ألوان الحرق متعددة»، لافتاً إلى أنهم لم يلقوا العناية المناسبة في مستشفى درعا.. لكن أيهم كان بحالة إدراكية جيدة، فروى كلّ ما حصل معه، فطلبنا أخذ إفادته، لكن الجميع رفض في مستشفى درعا!، فنقلناه إلى مستشفى المواساة، فقاموا بتعقيمه وتضميد الجروح، وأشاروا إلى حاجته إلى دخول مستشفى خاص لحاجته إلى العناية المشددة الفائقة، فقمنا بنقله إلى مستشفى الهدى في منطقة سبينة، حيث توقّف قلبه ودخل في غيبوبة. وعندما قمنا بتغيير الشاش عن جسمه في اليوم الثاني، كان جسده مثل البلاستيك أو البلور، والحرق أصبح يتغلغل إلى داخل الجسم، أما الدم فلم يعد يجري في عروقه، وتعطلت كليتاه.. وهنا كان يصحو لبعض الوقت فيروي لي ما حصل. لكنني كنت أودّ اختبار مدى إدراكه لما حصل، فقلت له: هل تعرضت لحادث سير؟!، فأجابني: لا يا أخي، فقد ضربني كل من فلان وفلان وفلان، وكان يعيدها كثيراً وكلما صحا من غيبوبته».
وتابع وسيم: «في اليوم الثالث توقّف الكبد عن العمل، وفي اليوم الرابع شهدنا توقف القلب. ولم يعد هناك إمكانية لخلط الدم بالأوكسجين بمساعدة جهاز التنفس بسبب تعطل الرئة عن العمل. وعند استفسارنا من الطبيب عن سبب توقف الرئة عن العمل، أجاب الطبيب: إنها من آثار المادة الكيمائية التي استنشقها».
المادة الغريبة
تساءل محمد شقيق المتوفيين: «هل يعقل أنَّ المادة الحارقة التي سكبت عليهما حرقت الجسم كله من دون أن تحرق الشعر؟!؛ فشعر صدرهما وأرجلهما لا يزال موجوداً، كذلك فقد حرقت الملابس بالكامل وذابت!. وبتصوري هذا ليس بفعل غاز أو بنزين؛ فالمادة كانت حارقة ومن دون لهب». إذاً أكثر ما يشغل بال الأهالي من سكان طفس هو حاجتهم إلى معرفة هذه المادة الغريبة، وكيف لهؤلاء القتلة الحصول عليها؟!. وإنَّ ما تظهره الصور جانباً يثبت أنها مادة حارقة بالفعل، سكبت عليهم سكباً، لما أظهرته من وجود أخاديد على البطن. وهنا يبيّن محمد أنَّ نتيجة التحاليل الطبية ستظهر خصوصية المادة.
رأي اللجنة الطبية
ظهيرة الثلاثاء الماضي (يوم إحضار جثة أيهم إلى مستشفى مدينته طفس)، تجمَّع المئات من ذويه وجيرانه أمام المستشفى الوطني، رافضين استلامه ودفنه حتى معرفة أسباب الموت وتدوين ذلك على المحضر (على أنه -كما الواقع- جريمةُ قتل وليس حادث سير). استمرَّ التجمع حتى ساعات المساء، وما زاده إذاعة بيان ونداءات من قبل ذوي المتوفى بمكبرات الصوت الخاصة بالجوامع، ثم تدفق الآلاف أمام المستشفى راحوا يطالبون بإظهار الحق وإعدام المجرمين. بعد ذلك تشكّلت لجنة طبية سباعية قامت بالكشف على الجثة وأخذ عينات منها لتحديد سبب الوفاة الأكيد. لكنَّ الناس المتجمهرين رفضوا الذهاب قبل معرفة النتائج، وتحت ضغطهم تمَّت إذاعة بلاغ من قبل اللجنة في ساحة المستشفى، جاء فيه:«إنَّ الجثة قد تعرّضت لعدة ضربات قاطعة، وفي عدة أماكن من الجسم، إضافةً إلى آثار مادة حارقة سيتمّ التعرف عليها بعد فحص العينات التي أخذت من أماكن مختلفة من الجسم، وذلك في مختبرات الأمن الجنائي بدمشق، وستظهر النتائج خلال أيام قليلة».
خلفيات ومطالب
يقول مروان -وهو الشقيق الأكبر للأخوين غسان وأيهم: «في العام الماضي حصلت مشاجرة معهم، بعد أن اعتدوا علي وقاموا بضربي في عدة أماكن من رأسي وجسمي، فأصلحنا الأمور وقتها دون اللجوء إلى القضاء. والسبب الرئيس أننا قمنا باستصلاح واستثمار مساحة كبيرة من الأرض تُقدّر بألفي دونم، كانت مشاعاً لهم لا يستطيع حتى أصحابها دخولها، فحقدوا علينا منذ ذلك الحين».
هذا وقد أشار بعض أهالي طفس إلى أنَّ الكثير من المزارعين قد تشاجروا مع هذه المجموعة لنفس السبب، وكانت الأمور تنتهي بالصلح في بعض الأحيان، ولخشية تفاقم الموضوع وتشعّبه، طلب الأهالي تحقيق العدل وإعدام اثنين منهم، وترحيلهم خارج البلد؛ كون طفس من أهم المناطق الزراعية، ويوجد تماس مباشر بين المزارعين والبدو الذين يقطنون في أطراف البلد